الجمعة، 13 أغسطس 2010

رحلة شيخ التشكيليين في 80 عاما

مازال شيخ التشكيليين المصريين محمد طه حسين قادرا على العطاء الفني رغم انه تجاوز الثمانين من عمره قضى منها ثلاثة وستين عاما في مشوار فني تشكيلي حافل. ونال مؤخرا جائزة مبارك للفنون. وفي ندوة أدارها الفنان التشكيلي محسن شعلان تحدث محمد طه حسين عن مشواره الفني ورؤيته ومواقفه على مدى رحلته الطويلة. وصف الفنان محسن شعلان الفنان محمد طه حسين بأحد فرسان الفنون التشكيلية الذي حمل على كتفيه عبء إظهار الوجه التراثي والثقافي لمصر في الداخل والخارج خلال مسيرته الفريدة من نوعها في عالم الفنون التشكيلية في مجال الخزف والنحت الذي يعد احد رواده العظام.


رحلة التشكيليين عاما

وقال إن الاجيال من تلاميذه الذين ساروا على دربه يشهدون بأنه فنان يحمل طاقة غير عادية فهو طراز الفنان بيكاسو الذي ظل يمارس دوره الثقافي الى اخر لحظة من حياته لدرجة ان من يشاهد أعماله ونشاطه يتخيل انه لا يتجاوز العشرين من عمره.

وتحدث محمد طه حسين عن نشأته وأسباب اتجاهه لدراسة الفنون التشكيلية وقال انه يدين لحي الازهر الذي نشأ فيه بتكون البدايات الفنية لديه لأنه كان يضم في ذلك الوقت تركيبة اجتماعية وثقافية عظيمة مثل محمود امين العالم وعائلتي البنا والمهندس علاوة على ان حي الجمالية المجاور كان يقطنه عظماء الادب كالأديب نجيب محفوظ الذي كان يلقاه في شبابه اثناء ركوبه للترام. كما ان التشكيلات التراثية والجمالية التي تملأ حي الازهر والحسين والجمالية ساعدت على نمو جينات الحب للفنون والثقافة عامة.

واضاف: والدي كان يعمل تاجرا بالازهر وسحب اعتراضه على التحاقي بكلية الفنون التطبيقية عندما تدخل بعض الكبار بالحي قائلين له ان ابنك سوف يكون له شأن كبير في هذا المجال. كما ان والدتي كانت مدرسة في الحضانة وشجعتني على الالتحاق بالمجال الذي احبه واشعر بأنني سوف ابدع فيه. والتحقت بكلية الفنون التطبيقية عام 1946 وتخرجت فيها عام 1951.

وقال:واجهتني مثل اي شاب العديد من الصعاب واكتشفت بعد ذلك انها كانت في صالحي بداية من عدم تعييني معيدا بالكلية لان الدكتور طه حسين الذي كان وزيرا للمعارف في حينها أغلق باب التعيينات بالجامعة رغم انني كنت الاول على دفعتي وحصلت على درجة الامتياز. كما لم يكن هناك في ذلك الزمان هاجس التعيينات في الحكومة.

واضاف: اتجهت الى ممارسة الحياة الفنية التشكيلية بصورة عملية لأحصل لأول مرة في حياتي على أغلى جائزة في تقديري وهي جائزة “مختار للنحت” وكانت تعد اهم الجوائز التشكيلية في مصر علما بأن عملي الفني كان عن الغاء معاهدة 1936 واللوحة كانت عبارة عن مصر مستندة على سلم وامامها سلة صغيرة وتمزق المعاهدة. وهذه الجائزة ساعدتني على ان اتجه الى ممارسة العديد من الفنون التشكيلية خاصة انه كان من حسن حظي انني زاملت مجموعة من عباقرة الفنون التشكيلية مثل جمال السجيني وعبدالعزيز درويش ومنصور فرج الذي زرت مرسمه في كلية الفنون التشكيلية وعلمني الكثير من النحت لانني في الاصل خزاف ثم حدث لي نوع من التحول الى دراسة فلسفة الفنون وعلومها على يد اصدقائي العائدين من بعثة من الخارج وهم سعيد خطاب ومصطفى الارنؤوطي وكمال عبيد والتحقت بالمعهد العالي للتربية الفنية لأتعرف على يوسف عفيفي وأحصل على جرعات ثقافية ضخمة وتم تعييني في مدرسة بمدينة ههيا في محافظة الشرقية وكانت بلا حوش أو اسوار وعملت بها لمدة عام أقمت خلاله معرضا للفنون التشكيلية ثم انتقلت الى مدرسة المعادي الثانوية النموذجية التي لا يمكن مقارنتها بالوضع الحالي للمدارس حيث كانت مليئة بالانشطة والفنون.

وقال: اتذكر انني كنت مع وزير الثقافة المصري فاروق حسني في سمبوزيوم اسوان لافاجأ بالفنان طارق شرارة يقف امام الوزير ويقول: إنني كنت مدرسا له في المعادي الثانوية النموذجية وانه يدين لي بالكثير وهو موقف قلما يتكرر في هذه الايام.

وقال محمد طه حسين: اما بعثتي للدراسة في الخارج فلم أحصل عليها من خلال كلية الفنون التطبيقية، بل عن طريق إعلان للحصول على الماجستير والدكتوراه من اميركا وبعض الدول الاوروبية وكنت ضمن 46 فردا تقدموا للحصول عليها. واذكر انني ذهبت الى رئيس البعثات في الوزارة بعدما لاحظت تدخل بعض الوساطات لتحديد المختارين إلا انه قال لي “يا طه لو ان لك حقا فسوف تأخذه” وقد كان.

وكان من المفترض ان اذهب الى اميركا بعد اختياري إلا ان ظروف العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حولت بعثتي الى بافاريا جنوب المانيا وكانت اول بعثة للفنون لتلك المنطقة في ذلك الحين ورغم إنني كنت متخوفا في البداية لأنني لا أعلم شيئا عن البلد لكنني فوجئت بأنه بلد ذو ثقافة عالية ومتميزة. والتحقت هناك بأكاديمية الفنون لدراسة الحفر والجرافيك حيث كنت احتاج الى اشياء كثيرة في تكنولوجيا الخزف. ولحسن حظي كان لدي استاذ يدعى “شميت” بعث لي ببرقية لأقابله عقب حصولي على دبلوم الاكاديمية ليأخذ بحثي الى جامعة “كلن” ويتفق مع رئيسها لكي أحصل على الدكتوراه من هناك وكانت بعنوان “تأثير الفنون الاسلامية على الفنون الغربية” في الفترة ما بين القرن 13 و15.

وأضاف: ابلغ دليل على اهتمام الالمان بما قدمته هو قيام باحثة في جامعة كولونيا بعمل دراسة على أعمالي لانني نموذج للتواصل في مجال الفنون التشكيلية بين الشرق والغرب كما ان علامة تكريمي لاتزال موجودة في المانيا بسبب إسهاماتي في نشر الفن المعاصر حيث كرموني بكتابة اسمي على “الحجر الازرق” وأغلب الاوروبيين كانوا يعتقدون اننا حرفيون فقط.

وقال: بالنسبة لنشاطي الفني والاكاديمي في مصر فقد ناقشت منذ عودتي في عام 1964 اكثر من 160 رسالة ماجستير ودكتوراه. كما كنت اول من قام بعمل نظام الاشراف الاكاديمي المشترك بين مصر والمانيا. وكانت الفنانة زينب سالم اول من تقدم لها وطبقت هذا النظام. وأقمت بعد عودتي العديد من المعارض التشكيلية التي تضمنت الجرافيك والطبع على الحجارة الملونة. وشاركت في إرساء مبادىء المدرسة البنائية أو الواقعية في مجال الفنون والتي تعد المدرسة التي صنعت تاريخ الفن المصري المعاصر.

محمد زين الدين
صحيفة الاتحاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق